ترامب يطالب بتحقيق فوري في أسعار لحوم البقر ويدفع بملف الاحتكار إلى الواجهة

 


عاد ملف أسعار لحوم البقر في الولايات المتحدة إلى دائرة الجدل من جديد، بعد أن طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من وزارة العدل فتح تحقيق واسع في ممارسات شركات تعبئة اللحوم الكبرى. ويأتي هذا التحرك وسط ارتفاع الأسعار في متاجر البقالة بشكل أثار غضب المستهلكين، ووسط شكاوى مربي الماشية من عمليات دمج ضخمة في القطاع تقلّص المنافسة الحقيقية في السوق. وبينما يرى ترامب أن الشركات العملاقة تلاعبت بالأسعار وأضرت بالمزارعين والمستهلكين، تؤكد شركات الإنتاج أنها تتعرض لخسائر بسبب ارتفاع أسعار الماشية وقلة المعروض.


هذه القضية التي تجمع بين الاقتصاد والزراعة والسياسة باتت اليوم محور نقاش وطني واسع، خاصة أنها تمس الأمن الغذائي الأمريكي وسلسلة توريد لحوم البقر الأمريكية من المزرعة إلى موائد المستهلكين.



تحرك رئاسي مباشر


أصدر الرئيس ترامب بيانًا على موقعه تروث سوشيال دعا فيه وزارة العدل إلى فتح تحقيق فوري في ما وصفه بالتواطؤ غير المشروع والتلاعب بالأسعار من قبل شركات تعبئة اللحوم. وأكد أن هذه الشركات تضخّم الأسعار بصورة مصطنعة وتعرض أمن الإمدادات الغذائية للخطر، مما يستدعي تدخلًا قويًا وسريعًا لوقف ممارسات الاحتكار وضمان حماية المستهلك.


ويشير ترامب إلى أن مربي الماشية ليسوا مسؤولين عن ارتفاع أسعار لحوم البقر، بل يقع اللوم على الشركات المملوكة غالبًا لأطراف أجنبية، حيث تتهمها الإدارة بأنها تستغل السوق لتحقيق أرباح على حساب الأميركيين.



استجابة من وزارة العدل ووزارة الزراعة


أوضحت المدعية العامة بام بوندي أن وزارة العدل تحقق بالفعل في ممارسات القطاع من خلال قسم مكافحة الاحتكار، وذلك بالشراكة مع وزارة الزراعة الأمريكية. هذا التصريح أظهر أن الإدارة تتحرك على عدة مسارات لضبط السوق ومراجعة آليات التسعير وضمان الشفافية.


كما عبّرت وزيرة الزراعة بروك رولينز عن دعمها لموقف الرئيس، مؤكدة أن مربي الماشية يتحملون ضغوطًا كبيرة من قبل الشركات الأجنبية الضخمة التي تستحوذ على جزء كبير من السوق. وأشارت إلى أن المجتمعات الريفية تكافح من أجل البقاء في ظل هذه الظروف، وأن الوقت قد حان لإحداث إصلاحات حاسمة تعيد التوازن للسوق وتحمي المزارع العائلية.



خلفية عن هيمنة الشركات الكبرى


بحسب بيانات رويترز، تسيطر أربع شركات عالمية على نحو ثمانين في المئة من سوق تعبئة لحوم البقر في الولايات المتحدة، وهي تايسون وكارغيل وجيه بي إس وناشيونال بيف باكينغ. هذا التركّز في السوق أثار مخاوف من هيمنة الاحتكارات والتلاعب بالأسعار، خاصة مع شكاوى مربي الماشية من أن توسّع عمليات الدمج يقلل المنافسة ويضغط على أسعار شراء الماشية.



رؤية الصناعة: الأسعار العالية لا تعني الأرباح


ردّ معهد اللحوم في بيان رسمي على تصريحات الرئيس، موضحًا أن ارتفاع أسعار لحوم البقر للمستهلكين لا يعني أن الشركات تحقق أرباحًا. وذكرت جولي آنا بوتس، الرئيسة التنفيذية للمعهد، أن مصانع لحوم البقر تعاني من خسائر نتيجة ارتفاع أسعار الماشية إلى مستويات تاريخية، إضافة إلى شحّ المعروض في السوق.


وأكدت بوتس أن القطاع يخضع لرقابة صارمة ومعاملات السوق فيه تتسم بالشفافية، مشيرة إلى أن بيانات وزارة الزراعة الأمريكية توضح حجم الخسائر التي مني بها القطاع، والتي قد تستمر إلى غاية عام ٢٠٢٦. وأبدت الشركات استعدادها للحوار حول سبل تحسين القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي وضمان استقرار السوق.



موقف مربي الماشية


رحبت جمعية مربي الماشية الأمريكية بخطوة ترامب، معتبرة أن تحميل المزارعين مسؤولية ارتفاع الأسعار أمر غير عادل. وأكدت أن ارتفاع الأسعار في متاجر التجزئة يعكس الطلب القوي على لحوم البقر الأمريكية، وليس ممارسات داخل مزارع الإنتاج.


كما أشار الاتحاد الوطني للمزارعين إلى أنه يتفق مع الرئيس في أن مربي الماشية لا يتحملون مسؤولية الأسعار المرتفعة، لكنه شدد على ضرورة وضع تشريعات تضمن شفافية أكبر في السوق وتوازنًا عادلًا بين المنتجين والمعالجين والمستهلكين.


من جهتها، أصدرت منظمة آر كالف يو إس إيه بيانًا رحبت فيه بالتحقيق المرتقب، مؤكدة أن الفجوة الكبيرة بين أسعار الماشية وأسعار اللحوم تشير إلى خلل في السوق يستوجب التدقيق. وتطالب هذه المنظمة منذ سنوات بتحقيقات رسمية لضمان حصول المنتجين على أسعار عادلة وتحقيق منافسة حقيقية داخل القطاع.



انتقادات لسياسات الاستيراد


الملف لم يقتصر على الأسعار، إذ دخل النقاش مرحلة جديدة عندما أعلن ترامب نيته زيادة واردات لحوم البقر من الأرجنتين بهدف خفض الأسعار. هذا التوجه أثار غضب الجمعية الوطنية لمربي الماشية، التي اعتبرت أن استيراد اللحوم الأجنبية يضر بالمزارعين الأمريكيين ولا ينعكس بشكل فعلي على الأسعار في المتاجر.


وأشار مسؤولو الجمعية إلى أن الأرجنتين لم تستوف بعد الإجراءات الكاملة التي تضمن سلامة منتجاتها، وأن تاريخها الطويل مع مرض الحمى القلاعية يثير مخاوف إضافية. كما انتقدت الجمعية اختلال الميزان التجاري بين البلدين، حيث صدّرت الأرجنتين للولايات المتحدة لحومًا بقيمة تتجاوز ثمانمائة مليون دولار خلال خمس سنوات، بينما لم تتجاوز وارداتها من اللحوم الأمريكية سبعة ملايين دولار فقط.


وقد دعت الجمعية الرئيس إلى التراجع عن خطط زيادة الواردات والتركيز بدلًا من ذلك على تطوير منشآت إنتاجية داخل الولايات المتحدة ودعم برامج مكافحة الأمراض الحيوانية وتعزيز البنية التحتية للقطاع.



صراع بين السوق الحرة وتنظيم المنافسة


الجدل القائم يعكس صراعًا أوسع بين مفهوم السوق الحرة وضرورة التدخل الحكومي لمنع الاحتكار. فمن جهة، تعتمد الولايات المتحدة على قطاع لحوم ضخم يستفيد من الكفاءة الإنتاجية والتقنيات المتقدمة، لكنه يشهد تركّزًا كبيرًا في الملكية. ومن جهة أخرى، يشعر المزارعون والمستهلكون بأن هذا التركّز يقود إلى فجوة بين أسعار المنتجات الخام وأسعار اللحوم النهائية، وهو ما يضر بالاقتصاد الريفي ويزيد تكاليف الغذاء على الأسر.


تحقيق وزارة العدل المرتقب قد يشكّل محطة مفصلية في إعادة تنظيم القطاع، سواء بتشديد الرقابة أو بفرض إجراءات تمنع الاحتكار أو بإطلاق سياسات جديدة لدعم المزارعين.



تأثيرات على الأمن الغذائي الأمريكي


يشير الخبراء إلى أن ملف لحوم البقر لا يتعلق فقط بالأسعار، بل يمس صميم الأمن الغذائي الأمريكي. فالمجازر ومصانع التعبئة هي نقطة الوصل بين الإنتاج الأولي في المزارع والاستهلاك اليومي للمواطن، وأي احتكار أو خلل في هذا القطاع قد يعرّض السوق لاضطرابات كبيرة.


لذلك ترى بعض المنظمات الزراعية أن التركّز الحالي في السوق يجعل سلسلة التوريد أكثر هشاشة أمام الصدمات الاقتصادية أو الصحية، كما حدث خلال جائحة كورونا عندما تسببت إغلاقات المصانع في نقص المعروض وارتفاع الأسعار.



ماذا يعني ذلك للمزارعين والمستهلكين


على المدى القريب، يمكن أن يؤدي التحقيق المرتقب إلى تهدئة المخاوف وإعادة النقاش العام حول الأسعار، لكن تغيير الوضع بالكامل يحتاج وقتًا وإصلاحات أعمق. وبالنسبة للمزارعين، فإن أي خطوة تقلل هيمنة الشركات الكبرى تعني فرصًا أفضل للحصول على أسعار عادلة لمواشيهم. أما المستهلكون فقد يستفيدون من منافسة أكبر قد تسهم في خفض الأسعار أو على الأقل استقرارها.


خاتمة

يبدو أن ملف لحوم البقر سيبقى في صدارة النقاش السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، خاصة مع توجه الإدارة نحو إعادة تقييم البنية السوقية لقطاع اللحوم. وبينما يهاجم ترامب ما يصفه بالممارسات الاحتكارية، وتدافع الشركات عن نفسها بمبررات اقتصادية، يبقى المزارعون والمستهلكون في قلب هذا الجدل، ويأملون في قرارات تُعيد التوازن والثقة إلى سوق حيوي يؤثر في الأمن الغذائي وفي مستقبل الزراعة الأمريكية.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق