أسعار الحليب المنخفضة تهدد سبل عيش مزارعي الألبان

أسعار الحليب المنخفضة تهدد سبل عيش مزارعي الألبان


تشهد أسواق الحليب في أوروبا أزمة غير مسبوقة، حيث وصلت أسعار الحليب الخام إلى مستويات متدنية تهدد استمرارية آلاف مزارعي الألبان. فشركات الألبان تشتري الحليب في السوق الفورية بأسعار لا تتجاوز 15 سنتًا، وهو ما يضع المزارعين تحت ضغط اقتصادي خانق.



يعد سعر السوق الفورية للحليب الخام من أهم المؤشرات التي يعتمد عليها مراقبو السوق ومزارعو الألبان، لأنه يعكس مدى توفر الحليب الخام وحجم الطلب عليه من قبل مصانع الألبان. إلا أن هذا المؤشر يبعث حاليًا على قلق بالغ، إذ بلغ سعر الحليب الفوري حوالي 13.50 سنتًا في شمال ألمانيا و16.00 سنتًا في جنوبها، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله منذ سنوات طويلة.



هذا الانخفاض الحاد يعكس اختلالًا كبيرًا في ميزان العرض والطلب، كما يشير إلى وفرة غير مسبوقة في كميات الحليب المتداولة، مقابل قدرة محدودة للسوق على الاستيعاب.



تراجع تاريخي في أسعار الحليب خلال عام 2025


نادرًا ما شهد قطاع الألبان انخفاضًا حادًا في الأسعار كما هو الحال خلال هذا العام. ففي بداية عام 2025، كان الحليب شحيحًا نسبيًا، ولم يتوقع لا مزارعو الألبان ولا مصانع التصنيع هذا الانهيار السريع. ووفقًا لبيانات رسمية صادرة عن المكتب الاتحادي للزراعة والغذاء، بلغ متوسط سعر الحليب المنتج في النصف الأول من عام 2025 نحو 53 سنتًا للكيلوغرام.


غير أن ملامح الانهيار بدأت في الظهور خلال شهر سبتمبر، قبل أن تتأكد بشكل واضح في أكتوبر، لتدخل الأسعار في مسار متدني بشكل متسارع.



تشير بيانات التسوية الأولية الصادرة عن مصانع الألبان إلى أن أسعار الحليب في شهر نوفمبر ستتراوح بين 41 و43 سنتًا للكيلوغرام في معظم مصانع شمال وغرب ألمانيا، أي أقل بنحو عشرة سنتات مقارنة بالنصف الأول من عام 2025. ومع ذلك، لا يتوقع الخبراء أن يكون هذا هو القاع السعري.


فالقيمة النظرية للحليب الخام، التي يحسبها معهد لايف في مدينة كيل استنادًا إلى أسعار الزبدة ومسحوق الحليب منزوع الدسم في السوق، من المتوقع أن تنخفض إلى 35.7 سنتًا للكيلوغرام في نوفمبر. وتُعد هذه القيمة مؤشرًا أساسيًا لاتجاه أسعار الحليب عند تسويق منتجات الألبان.



تزداد الصورة قتامة عند النظر إلى سعر الحليب المتداول في البورصة، وهو السعر النظري المستمد من عقود الزبدة والحليب منزوع الدسم في أسواق العقود الآجلة. إذ من المتوقع أن ينخفض هذا السعر إلى 31.7 سنتًا للكيلوغرام في ديسمبر، ثم إلى نحو 30.5 سنتًا مع بداية عام 2026.


ويعني ذلك أن مزارعي الألبان قد يخسرون ما يقارب عشرة سنتات إضافية مقارنة بما يحصلون عليه في نوفمبر، وهو ما يضع العديد من المزارع على حافة الإفلاس.



يرتبط هذا الانخفاض الحاد بشكل مباشر بالزيادة الكبيرة في حجم إنتاج الحليب. فبينما شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 تراجعًا في كميات الحليب الموردة بنسبة تراوحت بين 2.1 و6.5 في المئة مقارنة بالعام السابق، عاد الإنتاج إلى الارتفاع بشكل ملحوظ منذ منتصف العام.


في سبتمبر، ارتفعت كميات الحليب الموردة بنسبة 5 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وبلغت الزيادة في أكتوبر نحو 6.8 في المئة. أما أحدث بيانات رابطة صناعة الألبان، فتشير إلى زيادة إجمالية وصلت إلى 7.2 في المئة. هذه الزيادة الكبيرة لا يمكن لأي سوق استيعابها بسهولة، وهو ما أدى إلى انهيار سريع في الأسعار، خاصة في السوق الفورية.




يبرز انهيار أسعار الزبدة في قطاع تجارة التجزئة الغذائية كدليل واضح على خطورة الوضع. فقد انخفض سعر عبوة الزبدة بوزن 250 غرامًا إلى 99 سنتًا فقط، وهو مستوى وصفه فرانك كولينبيرغ، نائب رئيس جمعية مزارعي ساكسونيا السفلى، بأنه غير مقبول على الإطلاق.


وأوضح كولينبيرغ أن أسعار البيع تراجعت من 51 سنتًا إلى 41 سنتًا، وقد تنخفض إلى أقل من 40 سنتًا، ما يزيد من الضغط على سلسلة الإنتاج بأكملها، بدءًا من المزارع وصولًا إلى مصانع التصنيع.



في ظل هذا الانهيار السعري، يواجه مزارعو الألبان أوضاعًا بالغة الصعوبة. ويؤكد ألبرت هورتمن شولتن، خبير السوق الزراعية في غرفة زراعة ساكسونيا السفلى، أن هذا الوضع يهدد وجود العديد من المزارع بشكل مباشر، حيث أصبحت الربحية شبه مستحيلة منذ أواخر الصيف.


ويرجع الخبراء هذا التراجع إلى عدة عوامل، من بينها الآثار المتبقية لمرض اللسان الأزرق، الذي أدى العام الماضي إلى انخفاض إنتاج الحليب وارتفاع أسعاره. إلا أن هذا التأثير تلاشى تدريجيًا، ليشهد الإنتاج منذ منتصف سبتمبر ارتفاعًا حادًا وصل في بعض المناطق إلى ثمانية في المئة مقارنة بالسنوات السابقة.



لم يكن هذا الارتفاع في الإنتاج متوقعًا حتى من قبل خبراء قطاع الألبان. ويؤكد هورتمن شولتن أن سعر عبوة الزبدة ذات العلامة التجارية الخاصة بالمتاجر، البالغ حاليًا 99 سنتًا، يمثل أدنى مستوى سعري منذ أكثر من عشر سنوات.


وبالنظر إلى اتجاهات الأسواق العالمية، يتوقع الخبراء أن ينخفض سعر الحليب إلى أقل من 40 سنتًا خلال الفترة المقبلة، نتيجة فائض المعروض في السوق العالمية. كما سجل مؤشر الألبان العالمي، وهو من أهم المؤشرات المرجعية للتجارة الدولية، انخفاضًا ملحوظًا في أسعار الحليب خلال الأشهر الأربعة الماضية، ما يعكس استمرار الضغوط على هذا القطاع الحيوي.

المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق