سلالة أغنام جيسار: كنز طاجيكستان الثمين وإحدى أضخم السلالات في العالم
تُعدّ أغنام جيسار من السلالات العريقة التي نشأت على مدى قرون طويلة في وادي جيسار بطاجيكستان، وتحديدًا خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. وقد شكّل الموقع الجغرافي والمناخ المتنوع في هذه المنطقة بيئة مثالية لتطوير هذه السلالة الاستثنائية، مما جعلها واحدة من أهم سلالات الأغنام في آسيا الوسطى وأكثرها قيمة على الإطلاق.
الرحالة الشهير ماركو بولو سلّط الضوء على هذه السلالة منذ عام 1298 عندما وصفها بكلمات دقيقة، مشيرًا إلى شكل أجسامها القوي وذيولها الضخمة ولحمها الشهي، وهو ما يعكس قيمة هذه السلالة منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا.
مكانة أغنام جيسار في طاجيكستان:
ليست أغنام جيسار مجرد سلالة منتجة، بل هي رمز وطني وفخر للشعب الطاجيكي، فهي السلالة الأكبر من حيث الطول والوزن في العالم، وتمثل نموذجًا يُحتذى به في مجال تربية الأغنام ذات الذيل السمين. وقد حظيت بتقدير خاص عندما شاركت في المعرض الزراعي لعموم روسيا سنة 1912 في موسكو، حيث أثارت إعجاب الخبراء بحجمها الكبير ووزنها الاستثنائي.
جهود البحث والتطوير المستمرة :
شهدت سلالة جيسار اهتمامًا علميًا واسعًا على مر العقود، حيث أُجريت دراسات متخصصة منذ تأسيس معهد البحوث الطاجيكي لتربية الحيوانات عام 1931، واستمرت عمليات الانتقاء والتحسين الوراثي حتى يومنا هذا. هذا العمل العلمي أدى إلى التوصل إلى تحسينات ملحوظة في سرعة النمو، وزيادة الوزن الحي، وتحسين الصفات الإنتاجية للسلالة.
الانتشار الجغرافي والتوسع في التصدير:
يتجاوز عدد رؤوس أغنام جيسار اليوم 1.7 مليون رأس داخل طاجيكستان، ولم يعد انتشارها مقتصرًا على موطنها الأصلي، بل تم تصديرها خلال السنوات الماضية إلى دول مثل أوزبكستان وكازاخستان وروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، حيث يتم تربيتها بنجاح وتُستخدم في تطوير سلالات جديدة.
صفات أغنام جيسار :
تتميز سلالة جيسار بمجموعة من الخصائص التي تجعلها من بين الأفضل عالميًا، ومن أبرزها:
* بنية جسمية قوية وطويلة
* أنف محدّب وآذان كبيرة
* سرعة نمو عالية وتراكم ممتاز للحوم والشحم
* قدرة عالية على التكيف مع مختلف الظروف المناخية
حيث يبلغ وزن الحملان بعمر 7–8 أشهر ما بين 48 و61 كجم، بينما يصل وزن الكباش البالغة إلى ما بين 109 و177 كجم، وقد سجلت حالات تصل فيها بعض الكباش إلى أكثر من 200 كجم.
سلالة ذات قيمة اقتصادية عالية :
يكمن السر في الطلب المتزايد على هذه السلالة في سرعة نموها، ووفرة لحومها الطرية، ووجود نسبة عالية من الشحم في ذيولها، وهي عناصر تدخل في العديد من الأطباق التقليدية في آسيا الوسطى، ما يجعلها اختيارًا مثاليًا للمزارعين والمستهلكين على حد سواء.
من ناحية أخرى، تعتبر ندرة هذه السلالة أحد العوامل التي ترفع من قيمتها في أسواق الماشية في المنطقة. فالكباش عالية الجودة من سلالة جيسار يمكن أن تباع بأسعار مرتفعة جدًا نظرًا لأدائها الإنتاجي ووزنها الاستثنائي.
مساهمتها في تطوير سلالات أخرى :
ساهمت سلالة جيسار بشكل فعال في إنشاء سلالات جديدة من الأغنام في آسيا الوسطى وكازاخستان، مثل السلالة الطاجيكية المنتجة للحوم والصوف، حيث تم الاعتماد عليها بشكل أساسي بفضل قدرتها على التحمل وإنتاجيتها العالية.
التكيف مع التحديات الحديثة :
في ظل تناقص المراعي وسوء توزيع الأراضي الزراعية، أثبتت أغنام جيسار قدرتها على التكيف السريع مع مختلف الظروف. فهي تُعدّ سلالة اقتصادية بمعنى الكلمة، إذ تحتاج إلى كميات أقل من العلف والمياه مقارنة بسلالات أخرى، مع الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاج.
خلاصة :
إن سلالة أغنام جيسار ليست مجرد ثروة حيوانية، بل إرث وطني ورمز للفخر في طاجيكستان. بفضل تاريخها الطويل، وخصائصها الجينية المميزة، وقدرتها الاستثنائية على التكيّف والإنتاج، أصبحت هذه السلالة نموذجًا ناجحًا في تربية الأغنام في آسيا الوسطى، ومصدر إلهام للمربين حول العالم.
لذلك، فإن الاستثمار في هذه السلالة وتطويرها يُعد خطوة ذكية لأي مربي يرغب في تعزيز إنتاج اللحوم والشحم وتحقيق مكاسب اقتصادية مستدامة، خاصة في البيئات التي تتطلب سلالات قوية وقادرة على مواجهة الظروف الصعبة.